دستکاري عمدي در کتاب الذريعه
به ياد دارم كه اين مطلب را كه آقاي علي نقي منزوي مطالبي را درذريعه و طبقات اعلام الشيعه افزوده مرتب از مرحوم علامه سيد عبدالعزيز طباطبائي مي شنيدم. همچنين استادم علامه سيد محمد علي روضاتي هم مرتب بر اين نكته پاي مي فشرد. اخيرا هم در رساله سعيديه خود كه در دومين دو گفتار چاپ شده از آن با عنوان طبقات اشتراكي ياد مي كند كه مقصود آن است كه متني است كه مشتركا آقا بزرگ و علي نقي منزوي نوشته اند. در سال 1371 كه كتاب دين و سياست در دوره صفوي من چاپ شد نسخه اي خدمت آقاي منزوي دادم. در آن كتاب، ضمن يك پاورقي اين مطلب را آورده بودم. ايشان در حاشيه آنجا نوشته بود كه پدر نسخه دست نويس را به ما مي داد و ما هم با اضافات چاپ مي كرديم ايشان هم اعتراضي نمي كرد. در هر حال اين مي تواند نوعي اغماض معمولي باشد اما همچنان ايراد اصلي به خصوص مواردي كه نه فقط مطالبي افزوده شده بلكه تحريفاتي صورت گرفته باقي خواهد ماند.
در مقاله حاضر آقاي جلالي اين بحث را با دقت دنبال كرده و ضمن تطبيق منابع با آنچه در نسخه چاپي آمده و همين طور متن دست نوشته آقا بزرگ نشان داده اند كه اين تحريفات تا اندازه اي به اين متن بسيار با ارزش و مهم خسارت وارد كرده است. اين نخستين باري است كه به صورت مستقل اين موضوع مورد پژوهش قرارگرفته است.
متن مقاله به عربي است و لاجرم براي دوستاني است كه مي توانند از عربي استفاده كنند.
نتيجه اين مقاله طبعا اين خواهد بود كه امكان ارجاع كلي به ذريعه به خصوص مواردي كه آشكار است كه در آن دستي برده شده به عنوان اين كه از آقا بزرگ است مشكل خواهد بود.
لحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله الأمين وعلى الأئمّة حجج الله المعصومين من آله الطاهرين وعلىأصحابهم أولياء الله المجاهدين وعلى أوليائهم عباد الله المخلصين.
وبعد: فإنّ كتاب« الذريعة إلى تصانيف الشيعة» تأليف العلاّمة الحجّة شيخنا الإمام محمّد مُحسن الشهير بالشيخ آقا بُزُرگ الطهراني (1293–1389هـ)هي الموسوعة الكبرى المعتمَدة لدى الباحثين والدارسين والعلماء والمحقّقين في العالم، لمعرفة ما يمتّ إلىالشيعة والتشيّع من الآثار المكتوبة، بالإضافة إلى جامعيّتها وسعة الرُقعة الزمنية التي غطّتها منذ طلوع شمس الإسلام وحتىعام (1377هـ) – تمتازُ بأنّها رُصّفَتْ بيد أكبر خبيرٍ أمينٍ ، وثقةٍ عدلٍ ، و عالمٍ نحريرٍ من أعلام الطائفة نفسها.
وليس قصدنا هُنا التعريف بالكتاب والمؤلّف، فهما من الشُهرة والمعروفية بما لا يحتاج معهما إلى المزيد، ولا تُضفي كلماتُ التمجيد على حقيقتهما وعظمتهما بشيءٍ جديدٍ ويكفي عن ذلك كلّه اعترافُ الخبراء من أهل الشرق والغرب لهما بما ليس عليه مزيد.
والمهمّ الذي قصدنا هُنا ذكره هو أنّ الشيخ مع ما كان عليه من العلم والمعرفة والخبرة في شؤون الطائفة وعلومها ودراساتها، وبما له من قَدَمٍ قديمةٍ راسخةٍ في هذا الفنّ ، ممّا تدلّ عليه ترجمته واتصالاته برجالات الطائفة منذُ أ‌ن انخرط في سلك طلاب العلم في مولده مدينة (طهران) عاصمة البلاد الإيرانية، كان مهتمّا بهذا الفنّ, حيث نجدُ في بواكيرأعماله وآثاره مستنسَخاتٍ لبعض مؤلّفات القدماء و ذلك قبل هجرته إلى العراق في سنة (1313هـ).
وقد حطّ رحلَهُ في مدينة العلم، النجف الأشرف، واتصل مباشرةً بالعلم الفذّ المؤلّف الموسوعيّ الشيخ حسين النوريّ، الذي كان من أعمدة التُراث الشيعيّ في عصره ، كما يستشفُّ ذلك من خاتمة كتابه العظيم «مستدرك الوسائل» وقد كان لهذا الاتّصال أثرُهُ العميقُ في ثقافة الشيخ الطهراني، حيث فتحَ أمامَه الآفاقَ الواسعةَ، اهتماماً وضروراتٍ وتحسُّساً وتصميماً وعزماً على متابعة الأمر، وملىء الفراغاتِ المحسوسةَ والثغراتِ الملموسةَ ورآبِ الصدعِ وسدِّ الثغور حسبَ الإمكاناتِ المتوفّرةِ لديه، طالتْ مدّةَ اتصاله بشيخه النوريّ حتى وفاته في (1320هـ).
وقد اقترن ذلك بدخول الشيخ الطهراني في حلقات الدراسات العُليا عند مجتهدي العصرمن أمثال الفقيه السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ اليزديّ والأصوليّ الشيخ محمّد كاظم الخراسانيّ الآخوند، وشيخ الشريعة الأصفهاني ، فبلغ رتبةًً ساميةً من العلم أهّلتْهُ للقيام بالأعمال الكبرى، وبعدَ وفاة أستاذه الخراساني في (1329هـ ) شدّ الرحال وهاجر إلى سامراء، وهناك - وفي نفس السنة - بدأ بتأليف كتاب «الذريعة» مع دخوله في حوزة درس المحقّق الفقيه النحريرالإمام المجاهد الشيخ الميرزا محمّد تقي الشيرازي (ت 1337هـ) وبقي الشيخ الطهراني هناك مدرساَ(1) و محققاً و باحثاً , واستمرّ في متابعة تأليف الذريعة حتى استنفد جهده في التتبّع والتنقير في مراكز العلم ومخازن الكتب الخاصّة والعامّة في مُدُن العراق، وفي أسفاره الكثيرة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز في الحرمين الشريفين ، و إلى بلاد إيران حيث كنوز المخطوطات المكتظّة بالكتب، واعتمد على المراسلات والمعلومات الشخصيّة من زملائه و تلامذته، مع المسح الكامل والواسع لما تيسّرآنذاك من فهارس المكتبات والمخطوطات، والكتب الخاصّة بهذا الشأن. وعند رجوعه إلى النجف قبل عام (1355) بدأ العمل في طبع الكتاب في مطبعة خاصّة، فطبع الجزئين الأوّل والثاني سنة (1355هـ) هناك، وكان لظهورالكتاب دلالته الواضحة على مدى ما بذله من جهدِ وما قام به من تتبّعٍ واسع ومثابرةٍ مع التحقيق والضبط والتاكّد عن المعلومات وتوثيقها. وكذلك الحال مع ظهورالجزء (الثالث والرابع عشر) من الكتاب الذي أشرف على طبعهما المؤلفُ نفسُهُ ثمّ أوعز إلى العلامة الحجّة المحقّق السيّد محمّد صادق بحرالعلوم القيام بإتمامهما فطبعا في النجف على التوالي سنة (1378و1381هـ).
فهذه الأجزاء التي طبعت على يد المؤلّف؛ و بإشرافه المباشر، هي نماذجُ من عمله العظيم بما فيه من الدلالات المذكورة.
لكن ـ ومع كلّ الأسف ـ اضطرّ المؤلّف إلى إيكال أمر طباعة الكتاب إلى أولاده الذين كانوا في طهران، ليُطبع هُناك بعيدا عن إشراف المؤلّف نفسه، فطُبع باقي الأجزاء هناك، وبعمل (علينقي منزوي، و أحمد منزوي).
ولو كانا يلتزمان بطبع ما جاء في نسخة الشيخ المؤلّف وما كتبه بخطه فقط، ولم يتصرّفا فيه بالزيادة والنقصان، لكانت خدمةًَ رائعةًً للعلم والعلماء وللكِتاب.
ولكنّهما ـ مع كلّ الأسف ـ تجاوزا قواعدَ الأمانةِ المقرّرة والمعروفة عندَ من يقوم بمثل عملهما بالالتزام بالمراجعة والتصحيح المطبعيّ للكتب، فلم يُحافظا على نصّ الشيخ، وتدخّلا في عباراته بالزيادة والنقصان وأدرجا ما عَنّ لهُما من أنظارٍ وآراء في متنِ الكتابِ من دُون تمييز وتعيين، ولم يجعلا مثلَ ذلك في الهوامش كما هو المتعارف ُ لمراجعي الكتب، وكذلك تصرّفا في إملاء الكتاب، ونثره،ِ وغيّرا ما التزم به المؤلّف من ألقابٍ وأوصافٍ وتعاريفَ للمؤلّفين والأعلام ، مما لم يِرُقْ لهما، ولم يلتزما بالأعراف والقوانين المتداولة في تحقيق أعمال الآخرين.
والشيخ المؤلّف الطهراني لم يتمكّنْ من صدّهما عن ذلك: أوّلاً : لضعفهِ عن المُتابعة جِسمياً ، بعدَ أنْ تجاوزَ الثمانين من العمر، مع بعده عن بلاد إيران حيث يطبع الكتاب.
وثانياً : إنّه كان يتغاضى عن ذلك، هادفاً إلى إتمام طباعة الكتاب، رغبةً في صدوره في عصره، خوفاًً من أداء التأخير إلى عدم طبع الكتاب.
وثالثاً : إنّه كان يقفُ على أمر ٍ واقعٍ لا حيلة لهُ في تغييره، مع تأكيده المستمر ّعلى فصل ما يكتبه المصحّحون والطابعون عن المتون، وجعلها في الهوامش.
كما كان الشيخ يعترضُ على ما يراه من التجاوزات‌، لكن الطابعين كانوا يَعِدُونه بالإصلاح والاستدراك، ولا يَفُونَ !
وقد قامَ هو بإصلاح ما يراه في نسخته الخاصّة، وأعدّ مستدركاً على جميع الكتاب يتلافى فيه بعضَ تلك الأمور.
كما كان يحثّ تلامذتَهُ ومن يعرفُ من الفُضلاء على القيام بما يجبُ من الإصلاح والاستدراك، وكتبَ بذلك تصريحاً هذا نصّه:
قد شرعتُ في تأليف هذا الفهرس يومَ دَحْو الإرض، الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1329 لكنّه لم يكن مرتّبا إلا بالنسبة إلى الحرف الأوّل، فشرعتُ في ترتيبه كذلك في هذه النسخة في أوائل سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف، وقد كمل ترتيبُه كذلك في ستّة مجلّدات هذا المجلد أوّل الستّة، وأبقيتُ البياضات للإلحاقات، راجياً ممّن يلحقني أن يُلحق ما فاتَ منّي كاملا في محلّه ويتمّم هذا الكتاب بقدر وُسعه واطّلاعه، ويجعل له خطبةً وديباجةً يذكرُ فيها اسمه الشريف إنْ شاء الله تعالى، فإنّ روحي بذلك راضيةٌ، وأنا على هذا العمل متشكّر، نسأل الله حسنَ النيّةِ والعاقبةِ، والمغفرةَ لي ولوالديّ ولمن شاركني في هذه الخدمة.
وأنا المؤلّف الكاتب الجاني المسيء محمّد مُحسن الشريف المدعوّ بآقا بُزُرگ ابن الحاجّ عليّ بن محمّد رضا ابن الحاجّ محمّد مُحسن الطهراني(2).
إنّ مثل هذا النصّ يدعو الواقف عليه إلى القيام بتكميل عمل المؤلّف والاستدراك عليه ومتابعة العمل فيه تلبيةً لرغبته وإسهاماً في إقامة هذا الصرح العظيم، ولذلك قامَ كثيرٌ من تلامذة المؤلّف ومريديه من أهل فنّ الفهرسة والمعتنين بها، وكذلك المهتمّين بالتراث الشيعيّ، نذكر منهم :
1- الفقيد الراحل العلاّمة الحجّة المحقّق صديقُنا السيّد عبدُالعزيز الطباطبائيّ اليزديّ (1416هـ) فقد كانت له عنايةٌ فائقةٌ بآثار شيخه الطهرانيّ الذي لازمهُ طوال رُبع قرن أو أكثر، فأكملَ الذريعةَ واستدركَ عليها، ومُستدركاتُه مُحررّة، يقومُ بإعدادها نجلُهُ الفاضلُ السيّد عليّ الطباطبائيّ وفقه الله، كما أنّ له تعليقاتٍ ضافيةً مكتوبةً على هوامش النسخة المطبوعة من الذريعة، وهي لم تحرّر بعدُ.
وممّا يجدرُ ذكرُه أنّ سماحة المرحوم السيّد الطباطبائيّ رحمه الله قام باستنساخ أجزاء من الذريعة (من حرف النون إلى آخرها) بخطّ يده من نسخة المؤلّف، قبل أن تطبعَ، وذلك «حذراًّ من أن يتأخّر طبعهُ ولايمكنُ الوقوفُ على نسخة الأصل» كما صرّح رحمه الله بذلك، ونسخته هذه موجودةٌ في مكتبته العامّة العامرة في قُمّ المقدّسة.
كما أنّ لسيّدنا الطباطبائيّ تعليقاتٍ واستدراكاتٍ ضافية ًعلى كتاب ( طبقات أعلام الشيعة ) للشيخ الطهرانيّ، وهي مكتوبةٌ على هوامش النسخة المطبوعة من مجلّدات الطبقات، نرجو أن يوفق من يقوم بتحريرها وطبعها.
2- وقام العلامة المجاهد المرحوم السيّد سعيد أخترالرضويّ الهنديّ (1345–1423هـ) بعملين قيّمين حول الذريعة:
أحدهما: تكملة الذريعة ، آورد فيه مستدركا على الذريعة بإيراد ما فاته، وتكميله بما تأخّرعن (1377هـ) من مؤلّفات وخاصّة مؤلّفات علماء القارّة الهنديّة.
وقد قمتُ بإعداد هذا العمل، وطبع في نشرة (نسخه پژوهي) السنوية التي يصدرها الأخُ الفاضلُ المفهرس الشيخ أبوالفضل حافظيان بابلي، في العدد (الثاني) سنة 1426 في الصفحات (537 ـ 593) .
وثانيهما:( التعليقات على الذريعة) أورد فيه التصويبات لما ورد فيها من أخطاء وهفوات، وتكميل ما ورد فيه من نقصٍ في التراجم والعناوين.
وقد أعددتُهُ أيضاً وطُبع في نشرة (نسخه پژوهي) العدد (الثالث) الصفحات (627 – 682) الصادر سنة 1427هـ.
وبعث السيّد الرضوي هذين العملين إلى السيّد الطباطبائيّ ليدرجهما في عمله على الذريعة، ويشترك معه في الأجر.
3- العلامة المفهرس القديرالاستاد السيّد أحمد الحسينيّ الاشكوريّ دام ظله وقد ركّز في عمله على تصحيح بعض الهفوات ونشر بعنوان (على هامش الذريعة) في العدد الأوّل من نشرة (نسخه پژوهي) الصفحات (597 –661) وقد استفاد فيه من عمل السيّد الرضوي الهندي ورمز له بالحرف (ض).
4- شقيقي العلامة المحقّق البحاّثة السيّد محمّد حسين الحسينيّ الجلاليّ دام ظلّه حيث أعلن ضمن مؤلفاته عن (مستدرك على الذريعة).
ولكثيرمن أصحاب الفنّ تعاليق على الذريعة مكتوبة في هوامش النسخ، وغيرمحرّرة، وقد رأيتُ من أوسعها ما علّقه العلامة الحجّة المدقّق النيقد السيّد محمّد عليّ الروضاتيّ الأصفهانيّ دام ظلّه، نرجو من الله أن يوفّقه لتحريره و إصداره.
هذا بعض ما وقفتُ عليه مما قام به أصحاب الشيخ الطهراني وأحبّاؤه من الأعمال الطيّبة حول الكتاب، امتثالا ً لرغبته تلك.
لكن أولاده (أحمد منزوي، وعلينقي منزوي) استغلا إرادة الشيخ تلك ليعبثا بالكتاب، ويتصرّفا فيه بما يشينُ ولا يزينُ، وفي بعض ما قاما به ما شوّه سمعة المؤلّف البريء، ولعلّ القارىء اللبيب يتمكّنُ من الوقوف على ما نقول بنظرةٍ عابرةٍ في صفحات ما طبعاه من مجلّدات الكتاب.
ولو قاس أحد ما طبعاه معَ ما طبعَ بإشراف المؤلّف، وهوالمجلّدات (1و2و13و14) كما سبق، لوجد الفرق واضحاً والتمييز ممكنا وسهلاً .
وكنتُ خلال مراجعاتي الكثيرة أقف على بعض العبارات ممّا لا يمكن تصحيح مضمونها بوجهٍ من الوجوه! فتستوقفني، ونظرا لما أعرفه من دقّة الشيخ الطهرانيّ وورعه وتقواه وعلمه وفضله و وثاقته، فلا يكون ما في المطبوع متناسبا مع ما عليه الشيخ من صفات وسيرة، وقد عرضتُ بعض ذلك الهاجس على العلامة الفقيد الطباطبائيّ رحمه الله، فقال لي بصراحة: «إنّه من تصرّفات المنزوي ّ! فإنّه كان يتدخّل في كتب الشيخ».
وكذلك أخبرنا صديقنا العلامة الحسينيّ الاشكوريّ بأنّ المنزويّ قال له بكلّ صراحة: انّه يتصرّف في كتب والده بالزيادة والنقصانً.
وبذلك يتحمّل هذان الولدان (أحمد منزوي ، وعلينقي منزوي ) مسؤوليّة ما في كتاب (الذريعة) من أوهام و تصوّرات باطلة، مضافاً إلى الأغلاط الإملائية والإعرابيّة ، والتعبيرات الناقصة والهزيلة ، ممّا نربؤً بالمؤلّف وعلمه و فضله أن تصدر من قلمه الشريف.
والغريب أنّ السيّدين الطباطبائيّ والحسينيّ ، مع علمهما بتلك العمليّة السلبيّة السيّئة، لم يتصدّيا لتنقية الذريعة من كلّ ذلك السوء والفساد والأذى، ولم يُنقذاها من الاتّهام و الإدراج و الباطل ؟!! مع خطورة الأمر؟
وكذلك لم نجد من تنبّهَ إلى هذا الأمرا لخطيرأو نبّهََ عليه َ؟ ويزيد الأمر خُطُورةًً إذا لاحظنا تداوُلَ الكتاب منذُ صُدُوره وحتى اليوم، مع هذا الوضع المُرزي، مضافاً إلى تكرّر طباعته بالتصوير(الاوفست) لعدّة مرّات!
وكذلك نزوله على ألواح البرامج الكمپيوترية من الطبعة نفسها، مع تلك المشاكل والمهازل.
ولنعرضْ هُنا مثالاً واحداً من تلك التصرّفات الشاينة، وهو من أخطرها، وقد وقفنا عليه خلال عملنا في كتابنا عن (سعد بن عبدالله الأشعريّ القمّيّ : حياته ، ونشاطه العلميّ) حيثُ تحدّثنا عن مؤلّفاته بتفصيل، ومنها كتابه (النوادر) الذي ذكره له الشيخ النجاشي وأسند إليه ، فقد عنون في كتاب ( الذريعة ) في حرف النون ، في الجزء (24) ص331 من المطبوع المكتوب عليه ‌(نقّحه ابن المؤ‌لّف الدكتور علينقي المنزوي ) من الطبعة الأولى في المطبعة الاسلامية ـ (طهران ) 1398 هـ . ما هذا نصه:
«(1739 : النوادر) لسعد بن عبدالله ابن أبي خلف القميّ الاشعريّ ، قم36 و53 ب , سمع الحديث من العامّة، ولقي وجوههم، ذكره النجاشيّ وقال : له خمسة كتب موافق الشيعة، ونقل عن بعض الأصحاب أنّ لقاءَهُ معَ العسكريّ حكايةٌ موضوعةٌ ، وله ( الردّ علىالمحمدية و الجعفرية ) ومرّ له : ( الردّ على الغلاة ) ومات 299.
ويظهرأنّه كان ممّن سمّاهم المفيد بالمقصّرين ، وهم : المتظاهرون بالتشيّع، والمتستّرون بعدائهم للغُلاة ، والذين لفّقوا كتاب (الضُعفاء) لجرح علماء الشيعة، ونسبوهُ إلى ابن الغضائري . ذ 3:288 – 190 و10: 58 – كما مرّ في قم 1671 و 1728. وقد ينسب إليه (فرق الشيعة) للنوبختي ، ومرّ تبويب ( النوادر ) ذ = 3 : 327. » انتهى ما في المطبوع.
إنّ من يقرأ هذا النصّ ، ولم يكن يعرف شخصيّة (سعد بن عبدالله القمّيّ الأشعري ّ) ولا مكانته في الطائفة، ولا كثرة رواياته وآثاره في التراث الفقهيّ والعقيديّ و الحديثيّ عند الشيعة الإمامية، إنّ من يقرأ هذا النصّ تحصل لديه القناعة التامّة بأنّ كاتب هذا النصّ سيّئء الظنّ بسعد الآشعري ّ، وأنّه يتّهمُهُ بِتُهَمٍٍ عديدةٍِ على أثر أنّه لا يعتقدُ بكونه شيعيّاً واقعاً، وأنّه يستدلّ بكلماته هذه على ذلك,وهي:
1- أنّ سعداً سمع الحديث من العامّة و لقي وجوههم.
وهذا ـ وإنْ لم يكنْ لوحده دليلاً على شيءٍ سيّىء - إلا أنّ ضمّه إلى ما يليه من التهم يُشيرإلى فرض كونه من العامّة.
2- أنّ النجاشيّ قال : لهُ خمسةُ كتب تُوافق الشيعةَ.
وكأنّه يوحي إلى أنّه عامّيّ لكون هذه الخمسة فقط من كتبه تُوافق الشيعة.
3- أنّ النجاشي نقل عن بعض الأ‌صحاب: أ‌نّ لقاءه للعسكريّ حكايةٌ موضوعةٌ.
4- وأنّ له كتاب «الردّ علي المحمديّة والجعفريّة، و له الردّ علي الغُلاة .
5- (ويظهر )أنّه كان ممّن سمّاهم المفيدُ بالمقصّرين.
6- وأنّه من المتظاهرين بالتشيّع.
7- وأنّه من المتستّرين بعدائهم للغُلاة.
8- وأنّه من الذين لفّقوا وضع كتاب «الضُعفاء» لجرح علماء الشيعة. ونسبوه إلي ابن الغضائريّ، ( وأرجع إلي الذريعة (3/ 288–190) أو (10/58) .
9- و ينسب إليه «فرق الشيعة» للنوبختي.
إنّ من يقرأ هذه الأمور، ويرى أنّ سعداً كان يلتزمها أومتهّماً بها ، لابدّ أن يُسيءَ الظنَّ بهِ، ويراهُ شخصيّة غيرَ شيعيّة، بل هو من أعداء الشيعة، و هو يُحاول التلبّس بالتشيّع لضرب الغُلاة وسائر فرقهم . مع نسبة الوضع إليه و نسبة التقصير بلوازمه إليه.
هذا مجمل ما يُوحيه النصّ الوارد في المطبوع من الذريعة.
بينما من يقرأ ترجمة (سعد بن عبدالله ابن أبي خلف القمّيّ الأشعري ّ) عند علماء الطائفة و عند علماء الرجال منهم خاصة ، كللشيخ الطوسيّ , يجد أمراً مخالفا لذلك و تماماً بالعكس.
فهذا الشيخ الطوسيّ يقول في الفهرست: سعد بن عبدالله القمّيّ يكني أبا القاسم : جليلُ القدر واسعُ الأخبار، كثيرُ التصانيف ... و ذكر من كتبه ( أحد عشر كتاباً ).
و أمّا الشيخ النجاشي فقد ذكرفي ترجمته قوله: سعدُ بن عبدالله ابن أبي خلف الأشعريّ القمّيّ أبوالقاسم ، شيخُ هذه الطائفة و فقيهُها و وجهُها ، كان سمعَ من حديث العامة شيئاً كثيراً ، وسافر في طلب الحديث، ولقيَ من وُجوههم الحسنَ بن عرفة، ومحمّد بن عبدالملك الدقيقيّ ، و أبا حاتم الرازيّ, وعبّاس الترقفي.
ولقيَ مولانا أبا محمّد عليهما السلام ، ورأيتُ بعض أصحابنا يضعّفون لقاءَه لأبي محمّد عليهما السلام ويقولون: هذه حكايةٌ موضوعةٌ عليه ، والله أعلم.
ثمّ قال النجاشي - بعد ذكر أبيه عبدالله - ما نصّه : وصنّفَ سعدٌ كتباً كثيرةً ، وقع إلينا منها : ... (فذكر (27) كتاباً ).
فالذي يقف على هذه النصوص من أعيان أهل فنّ الرجال في الطائفة في حقّ سعد ، يعلمُ بالقطع أنّ ما جاء في كلام ذلك الكاتب باطلٌ، وبعيدٌ عن الحقيقة.
ونحنُ نربؤُ بالشيخ الطهراني مؤلّف الذريعة أن يكتبَ عن سعدٍ مثل ذلك الكلام الباطل ، ويتجاوز كلمات الأعلام الخُبراء أولئك، فإنّ ثقتنا التامّة بشيخنا الطهرانيّ ، وهو شيخُ مشايخ الحديث في القرن الرابع عشر، وشيخ إجازتنا وإجازة المئآت من علماء الطائفة في عصرنا ، و كذلك معرفتنا المباشرة بعدالته و ورعه وتقواه ، وحرصه على حفظ تراث الطائفة ، و تعظيم رجالها ، كلّ ذلك يدعونا إلى اليقين بعدم صحّة نسبة ذلك المطبوع في الذريعة ، إلى سماحته.
وقد وقع في روعي – بتوفيقٍ من الله وفضلٍ – أمرٌ مهمٌ في مجال التوثّق من نسبة النصوص ، وهو مراجعة النسخة الأمّ ، والأصل الذي بخطّ المؤلّف صاحب الذريعة للتأكدّ من صحة النصّ المطبوع وعدمه؟
ومن حسن الحظّ أني وقفت على صورةٍ من نسخة الأصل بخطّ الشيخ الطهرانيّ ، يحتفظ بها فضيلة العلامة المحقّق المفهرس الكبير صديقنا الاستاذ السيّد أحمد الحسينيّ الاشكوريّ دامت معاليه وهي لتمام كتاب (الذريعة).
كما وقفت على نسخة أخرى منقولة عن خطّ صاحب الذريعة ، كتبها سماحة العلامة المحقّق الثبت الحجّة المرحوم صديقنا السيّد عبدالعزيز الطباطبائي اليزدي ( المتوفى 1416) قدّس الله روحه الذي قام بكتابة قسم من الذريعة كما سبق ، ونسخته محفوظة في مكتبته العامرة في قُمّ المقدّسة.
وبعد مراجعة هاتين النسختين ، وقفتُ على الحقيقة المُذهلة التالية:
إنّ الشيخ الطهراني ، في أصل نسخته ، و في حرف النون ، وتحت عنوان (النوادر) أثبت ما نصّه :
كتاب النوادر، لسعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعريّ القمّيّ ، الشيخ الثقة ، المتوفّى (301) أو (299) يروي ابن قولويه عن أبيه و أخيه به، و (جش ) بإسناده إلى ابن قولويه.
وكذلك جاء النصّ في نسخة السيد الطباطبائي تماماً.
(در اينجا تصويري از دست نوشته مرحوم طهراني آمده است)
هذا تمام ما في نصّ المؤلّف الطهرانيّ، ولا أثرَ َ لما في المطبوع فيه أصلاً وفرعاً ، و بهذا ثبتتْ براءةُ ساحة سماحة الشيخ الطهراني من كلّ ما في نصّ المطبوع من التهم والترّهات، كما اتضح مدى ما اقترفه (المنزوي) ّ بإثبات ذلك الهُراء من الاعتداء على الذريعة ومؤلّفها العظيم، وما فعله من الخيانة والجرأة على العلم والعلماء، بدعوى (تنقيح) الكتاب.
هذا ، عدا ما لفّقهُ بخياله الواهي الباطل من التُهم والدعاوي الخاوية على شخص المحدّث الأقدم سعد بن عبدالله الأشعريّ القميّ رحمه الله.
ولابدّ من بيان بطلان تلك المزاعم والأوهام جميعاً ، ليتبيّن للقراء الكرام:
أولاً : قوله : «سمع الحديث من العامة ولقي وجوههم».
نقول: هذا مقطعٌ من عبارة الشيخ النجاشي، وتمامه : « كان سمعَ من حديث العامّة شيئاً كثيراً ، وسافرَ في طلب الحديث ولقيَ من وجوههم الحسنَ بنَ عرفة ، ومحمّد بن عبدالملك الدقيقيّ ، وأبا حاتم الرازيّ ، وعبّاس الترقفيّ ».
إنّ كلام الشيخ النجاشي هذا – بَعدَ وَصفِه سعداً « بشيخ الطائفة وفقيهها ووجهها » لابدّ أن يكون بصدد تعظيم سعدٍ و مدحه ، والتاكيد على سعة علمه، وسعيه في التزوّد من المعرفة بالرحلة في طلب الحديث ، ولابدّ أن يكون لغرضٍ علميّ هامٍّ ، فروايته عن وجوه العامّة ـ وهم من كبار المحدّثين في بغداد و سامراء كما يظهر من تراجمهم ـ تدلّ على طُموحٍ مبكّرٍ، وجهدٍٍ متميّزٍ من ابن قُمٍّ ، معدن التشيّع ، وبما يتميّز به من تشدّدٍ من محدّثيه في رفض الغُلوّ وسائر الانتمادات غيرالحقّّة. فقيام سعدٍ من مثل هذه البيئة بعملٍٍ نادر,ٍ وهوالرحلة إلى مراكز العامّة، وأخذ الحديث (الكثير) من وجوه أعلامهم، لهو محاولةٌ جريئةٌ ونادرةٌ لم تُعرف من محدّثي قُمّ .
وقد جرى عليها الشيخُ الصدوقُ ـ وهو منْ هو في مقامه و شخصيته ـ حيثُ روى عن العامّة و نشر حديثهم في كتبه ، واعتمد الصدوق على كتاب الرحمة لسعد ـ الذي سيأتي الحديث عنه وعن منهجه فيه ـ فجعله في مقدّمة « كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه » من مصادره التي قال عنها : « لم أقصد فيه قصد المُصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدتُ إلى إيراد ما أفتي به و أحكم بصحّته، وأعتقدُ فيه أنّه حجّة في ما بيني و بين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرَجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوّلُ و إليها المرجعُ، مثل كتاب حَريز ... و كتاب الرحمة لسعد بن عبدالله ... وغيرها من الأصول و المصنّفات ».
إنّ قيام سعدٍ بتلك الرحلة، وجمعه الحديث الكثيرمن العامّة يدلّ على هدفٍ سامٍٍ ، سنشرحه في الفقرة التالية.
ثانياً : قوله : « إنّ النجاشيّ قال: له خمسةُ كتبٍ تُوافقُ الشيعةَ».
وهنا أيضاً نقل كلام الشيخ النجاشيّ بصورةٍ مبتورةٍ و محرّفةٍ ، ففي عداد كتبِ سعدٍ ذكر كتابَ الرحمة ، ومحتوياته وهي خمسةُ كتبٍ : كتابُ الوضوء ، وكتابُ الصلاة ، وكتابُ الزكاة ، و كتابُ الصوم ، وكتابُ الحجّ، و عقّب ذلك بقوله:« كتبه في ما رواه مماّ يُوافقُ الشيعةَ خمسةُ كتبٍ : كتابُ الوضوء ، كتابُ الصلاة ، كتابُ الزكاة ، كتابُ الصيام ، كتابُ الحجّ ».
وكلمة « كُتُبُهُ » إنْ كانت مستأئفةً، فتدلّ على أنّ هذه الكتب ـ المذكورة ثانياً ـ هي أحاديث مرويّة عن العامة تدلّ على ما يوافق فقه الشيعة في أبواب : الوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ».
وإنْ كانت بصيغة الفعل ( كََتَََبََهُ) فهي تدلّ على أنّ كتابَ (الرحمة) مؤلّفٌ ليجمع بينَ رواياتِ الشيعة ورواياتِ العامّة الموافقة للشيعة في أحكام هذه الأبواب الفقهيّة.
وفي بعض نسخ النجاشي ما يدلّ على هذا المعنى الثاني. ومهما يكنْ ، فإنّ الكلامَ يدلّ على أنّ سعداً حاولَ أنْ يكتبَ في هذه الأبواب الفقهية فقهاً مقارناً بينَ الشيعة والعامّة، ويقوم بما حاولنا تسميته بـ« فقه الوِفاق » الذي قصدنا فيه الجمعَ بينَ الأحكام المتّفق عليها بينَ المسلمين ، بمحوريّة فقهِ أهل البيت عليهم السلام ، وجمع آراء منْ يتّفقُ معهم على فقههم ، ليدلّ على عدم انفرادهم بهذا الفقه.
إنّ عمل سعدٍ إذنْ يكونُ من بوادرهذا المنهج الفقهيّ ، الحاوي على هذا الهدف السامي، وهو التوحيد بين المسلمين على فقهٍ جامعٍٍ موحّدٍ ، ينبذُ الخلافَ وفقهَهُ والشقاقَ وشأنَهُ.
وقد ذكرنا في أطروحتنا عن (فقه الوِفاق) أسماء الجهود التي بذلتْ في هذا السبيل ، ويُعدّ سعدٌ من الطليعة الذين قاموا بهذا العمل العظيم ذي الهدف السامي القويم ، كما أنّ كتابه الرحمة ذلك يُعدّ في صدرالتراث المؤلّف في « فقه الوفاق ».
فكيف يسعى طابع الذريعة أن يسيئ الاستفادة من عبارة النجاشي ببترها وتقطيع أوصالها حتى يمهّد لغرضهِ من جعل سعدٍ رجلاً عامياً يريد التنكيل بالشيعة!
وثالثاً : قال : «ونقل عن بعض الأصحاب أنّ لقاءه معَ العسكريّ حكايةٌ موضوعةٌ» .
نقول : ومرّة أخرى قطّع أوصال كلام النجاشي، فإنّه إنّما قال: « ولقيَ مولانا أبا محمّد عليهما السلام ، ورأيتُ بعضَ أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمّد عليهم السلام ويقولون: « هذه حكايةٌ موضوعةٌ عليه».
وقد قال النجاشي هذا الكلام بعد ذكر رحلة سعدٍ في طلب الحديث ولقائه بوجوه أعلام العامّة.
وقد عرفنا أنّ أولئك العامّة كانوا من علماء بغداد وسامراء ، فعطف النجاشي مسألة لقاء سعدٍ للإمام الحسن العسكريّ عليهما السلام، كأنّه من تتمة مهمّاته في تلك الرحلة العلميّة، وهذا يكون إشارة إلى تقريب مسألة اللقاء، ونفي استبعاده.
ثمّ إنّ كلام النجاشي وقوله : « ولقيَ مولانا أبا محمّد عليهما السلام» هو حكمٌ إثباتيّ مطلقٌ، يقتضي قبوله و كونه من المفروغ عنده ، وإنّ ما ذكر رأي بعض الأصحاب للتبرؤ من ذمّته بعد ما بلغه و رآه.
معَ أنّ المنقول عن بعض الأصحاب ليس الحكم بكون مسألة اللقاء ( حكايةً موضوعةً ) بقولٍ مطلقٍ ، ممّا يُوهمُ أنْ يكون هو واضعها ، وإنّما قولهم هو:« إنّها حكايةٌ موضوعةٌ عليهِ» وهذا يعطي معنىً غير ذلك ، ويعني أنّ بعضهم افتعلها و نسبها إلى سعدٍ، فما ذنبُ سعدٍ وما دخله في هذا الوضع والجعل ، حتي ذكر كاتّهامٍ له ؟
و رابعاً : قال : « وأنّ له كتاب «الردّ علي المحمديّة و الجعفريّة» وله «الردّ علي الغلاة» .
نقول: يظهرُ منه أنّه يعتبرُ سعداً مُعارضاً لطوائف الشيعة المختلفة، ومنها طائفة الغلاة خاصة ، وذلك بتصدّيه للردّ عليهم ، فهو يمهّد بهذا إلى ما يأتي من اتهامه بالتقصيرأو دعوى التشيع، أوالهجوم على علماء الشيعة.
ودلّ هذا الكاتب بكلامه على عدم معرفته أنّ « المحمديّة » و« الجعفرية » فرقتان من الغلاة ، والأهم في الأمر ان الكاتب إنما ذكر هذه الكتب الثلانة لسعد من بين الـ (27) كتاباً التي ذكرها النجاشي، وهذا أيضاً من تمهيداته لاتهام سعد بالأمور التالية.
وخامساً : يقول: « ويظهرُاّنه كانَ ممّن سمّاهم المفيدُ بالمقصّرين».
نقول: ومع أنّ هذا مجرّد استظهارٍ من الكاتب إلا أنّه اتّهامٌ خطيرٌ، وليس هوإلا من نسج خياله ، وسيراً على هواه، وإلاّ فلماذا لم يذكر نصّ عبارة المفيد التي توحي ما يريد، ولا أشار إلى مصدر كلامه ، حتى يمكن معرفة وجه هذا الاستظهار، بل لم نجدْ ذكراً لسعد بن عبدالله الأشعري في مؤلّفات المفيد ـ غير ما جاء في أسانيده ـ حتى يمكن البحث في كلامه.
وسادساً قال: « المتظاهرون بالتشيّع».
وهنا صرّح الكاتب بما مهّد له مكرّراً من اعتقاده بأنّ سعداً ليس شيعياً واقعياً ، بل هو مُتظاهرٌ بالتشيّع ! ولهذا قام بما قام به من الأمورالسابقة ، وهذا الاتّهام يُبرّر للكاتب اتهامه بالأمورالتالية:
وسابعاً : قوله : «المتسترون بعدائهم للغُلاة».
نقول: يدلّ الكاتب بكلامه هذا على اعتقاده في سعدٍ أنّه ليس بشيعيٍّ واقعيّ بل هو متظاهرٌ يتسترُ بذلك للردّ علي الغلاة!
وهذه دعوى سخيفة في نفسها ، لآنّ الردّ على الغلاة لا يحتاج إلى التسترّ بالتشيّع ، فإنّ العامّة أيضاً يردّون على الغلاة ، لأنّ الغُلوّ كفرٌ يردّه كلّ مسلمٍ ، بل منهم من يردّ على جميع الشيعة ! لأنّهم يعتبرون أصل التشيّع من الغلوّ الباطل عندهم ، وأمّا المؤلّفات الشيعيّة في الردّ على الغلاة فهي أكثر وآشدّ وطأً عليهم ، فردّ سعدٍ على الغلاة لا يتوقف على فرض كونه عامياً تلبّس بالتشيّع ، كما يحاول الكاتب أن يفرض ؟!
وثامناً : يقول : « ولّفقوا كتاب «الضعفاء» لجرح علماء الشيعة ، و نسبوه الي ابن القضائري».
نقول: في هذا جهات من الردّ !
1- إن كتابَ «الرجال» لابن الغضائري المسمّى بالضعفاء من أهم كتب الرجال المعتمدة على أسدّ المناهج الرجالية ، وقد صحّح نسبته إلى ابن الغضائري شخصيّاتٌ كبيرةٌ من علماء الطائفة ، وقد حققنا الكتاب وأثبتها جميع ذلك في مقدمته.
2- ناقشنا في تحقيقنا لكتاب الغضائري جميع ما قيل في الكتاب، ورددنا على من زعم مثل ما ذكره الكاتب.
3- إنّ كتاب الغضائري لم يشتمل على ما ذكر من «جرح علماء الشيعة» وإّنما تفرّد بجرح ما لايتجاوز أكثر جمع القلة ، وهم فقط (10) أنفس، و ليس فيهم من هو من علماء الشيعة المعروفين.
وقد فصّل عن هذا الأمر العالمُ المحققُ القديرُ السيدُ أبوالحسن الموسوي في مقال (براءة الغضائري من التسرع بالجرح) نشر في مجلة علوم الحديث الفصلية الصادرة من كلية علوم الحديث في العدد (10) الصفحات (206-226).
وتاسعاً يقول : « و ينسب إليه « فرق الشيعة» للنوبختي».
نقول : وهذا أيضاً من التزيّد في الهجوم على سعدٍ ، بلا موجبٍ. حيثُ أنّ الكاتب يتصوّر أنّ عنوان كتاب « فرق الشيعة » خاصّ بما كتبه النوبختيّ فقط ، وكأنّه ليس لأحدٍ من معاصريه أو من سبقه أو لحقه أنْ يؤلّف كتاباً باسم فرق الشيعة، إلا أن يكون قد أخذ كتاب النوبختي.
ومع تصريح الشيخ النجاشي بأنّ سعداً له «كتاب فرق الشيعة » فآيّ وجهٍ لتلك المزعومة السخيفة؟
ثمّ إنّ لسعد بن عبدالله كتاباً باسم «مقالات الإماميّة» ذكره له الشيخان الطوسي و النجاشي وغيرهما ، وقد طبع في طهران باسم «المقالات والفرق» بتحقيق الدكتور محمد جواد مشكور.
وأمّا النسبة بين كتاب سعد هذا ، وكتاب «فرق الشيعة» المنسوب إلى النوبختي ، فقد أثاره الدكتورعباس إقبال الآشتياني الطهرانيّ ، في كتابه «خاندان نوبختي » وناقشه الدكتور مشكور المذكور وغيره ، و دخلنا في هذه المعمعة و توصّلنا إلى نتيجة متفاوتة ، حاصلها : أنّ كتاب سعدٍ هو (أصيلٌ ) ومستقلّ ، وهو من عينة تُراثنا في موضوعه.
وأمّا (فرق الشيعة) المطبوع منسوباً إلى النوبختي ، فهو ليس كتاب النوبختي ، بل ليس إلا نسخةً مشوّهةً ممسوخةً من كتاب سعدٍ المذكور، وأثبتنا كلّ هذا في مقال بعنوان «فرق الشيعة أو مقالات الإماميّة ؟ للنوبختي أو للاشعري» طبع في نشرة «تراثنا » الفصلية في العدد الأوّل من السنة 1405 .
وبعد ظهور بطلان هذه المزاعم التي كدّسها (منزوي) وأدرجها في كتاب «الذريعة» نقول له:
إذا كان سعدٌ بهذه المنزلة عندك، وهوصاحب هذه البلايا في رأيك ، فلماذا أدخلتَ كتابه (النوادر) وسائر كتبه في موسوعة «الذريعة» التي هي « في تصانيف الشيعة »!
فكان الواجب وأنت « تنقّّح » الكتاب أنْ تحذف هذا وأمثاله، ولا ترقّّم لكتابه في عداد كتب الشيعة، أو أنْ تصرّْح بواضح العبارة بعدم كونها من كتب الشيعة!
وبعد هذا كلّه تبيّن أنّ القائمين على طبع كتاب « الذريعة» في طهران ، قد قاموا بتجاوزات شنيعة على الكتاب وعلى مؤلّفه ، فهم قاموا بـ :
1- إثبات ما لم يكتبه صاحب الذريعة ، من دون أدنى إشارةٍ إلى كون النصّ لهم وليس لصاحب الذريعة.
2- إغفال نصّ صاحب الذريعة وحذفه كليّاً ، أو جزئياً أحياناً من دون إشارة إلى ذلك.
3- محاولة الإرجاع إلى مواضع من الذريعة، للإيهام إلى توثيق ما كتبوه.
مع عدم أدنى ارتباطٍ لتلك المواضع بما كتبها.
وهذه الأمور كلّها تعتبرُ في عُرف العُلماء و محققي النصوص خيانةً لا تغتفر.
لكن ـ ومع كلّ الأسف ـ هذا هو الواقع الذي بُلينا به في هذا العصر وبليتْ به عيون تراثنا العزيز، حيث يعبثُ به الجاهلون والتجّار الطامعون، بأسماء رنانة، وبعناوين التحقيق والتصحيح ، مما ليس إلا التخفيق والتغليط .
والعجب أن ذلك يتمّ باسم مؤسسات ضخمة ذات عناوين فخمة مثل « ...إحياء التراث » و «...تصحيح التراث » وأمثالهما ، وليس ما ينتجون إلا إمائةً وقتلاً ، و فضيحةً واتهاماً للعلم و الدين.
و الأغرب أنّا لم نجد في أهل الحلّ والعقد ، ومن لهم الشآن و الأمر مَنْ يسمع أو يرى أو يفهم :
لنبثُّهُمْ عََبَثَ الهوى بـ« تُراثنا » من كلّ ملقٍ للهوى بِقِيادِ
نسأل الله أنْ يحفظَ ديننا وتراثه من أيدي العابثين ، وأن يوفق رجال العلم والدين للقيام بنهضة كبرى لتلافي ما يقع من ذلك ، إنه ا لموفّقُ والمُعينُ.
وبالنسبة إلى كتاب «الذريعة » العظيم: فإنّي أهيبُ بتلامذة الإمام الطهرانيّ ، و أحبّائهِ، ومَن يمتّ إليه بصلة المودّة و العلم و التعظيم أن يهبِّوا لتلافي ما أفسده اولئك الطابعون ، وأنْ يقفوا أمامَ هذا الضياع لأكبر موسوعةٍ علميّة ، هيَ من مفاخر العصر، وأن يذبّوا عنه هذا الركام من التصرّفات البشعة الشانية لوجهه الناصع ، ويقوموا بتحقيقه من جديد اعتماداً على نسخة (الأصل) المخطوطة بخطّ الشيخ الطهراني نفسه ، واستعانة بنسخة (الفرع) التي كتبها العلامة الطباطبائيّ ، وأن يخرجوها نسخةًً محققةًً موثوقةًً، مستفيدين من كلّ الملاحظات والمستدركات والتعاليق التي كتبها مُحبّو الشيخ والمعرفة، ليخرجَ عملاً كاملاً يليق بالطائفة ، و يليق بمكانة الشيخ الطهراني الذي هوعَلَمٌ في هذا الشأن، ومن الخالدين في خدمة الطائفة وتراثها المجيد، رحمه الله وأثابه، ونسأله تعالى أنْ يوفّق العاملين لخدمة العلم والدين، إنه مجيب الدعاء ومنه التوفيق والتسديد.
حرّر في 15 شهر رمضان المبارك من سنة 1428هـ في قم المقدسة
وكتب
السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ
كان الله له
1. . أخبرني المرحوم السيد صادق بن السيد هاشم المجدد الشيرازي أنه حضر عنده كتاب (المطول) للتفتازاني هناك.
2. طبعت صورة هذا النصّ في مجموعة ( نسخه بزوهى ) دفتر يكم ص 596 .
منبع: www.historylib.com