أقام الله حجته على بني إسرائيل بإرساله الأنبياء والرسل إليهم، وقام الأنبياء والرسل بإرشاد القافلة الإسرائيلية إلى ما فيه سعادتهم وأخبروهم بما يستقبلهم من أحداث في بطن الغيب وهم يخبرون بالغيب عن الله تعالى .
وحذروهم من مقدمات يترتب عليها فتن تقودهم إلى نتيجة لعن الله أتباعها إلى يوم القيامة، وبشروهم بأبواب يفتحها الله لطف منه تعالى بعباده .
وعلى الأبواب هداة عينهم الله وحدد أوصافهم، وأخبروهم أن من أخذ بالأسباب للوقوف على هذه الأبواب واتبع الذين عينهم الله وحددهم وعمل صالحا فقد نجا.
وعلى امتداد المسيرة الإسرائيلية صار الصالح والطالح تحت سقف الامتحان والابتلاء. لينظر الله إلى عباده كيف يعملون، وانقسمت المسيرة على نفسها، وانتهى الاختلاف والافتراق بعد العلم إلى عبادة البعل وأقامت المرتفعات لآلهة الأمم المتعددة .
وعلى هذه الرقعة اقتتلوا فيما بينهم على الملك، ونتيجة لظلمهم بعث الله عليهم البعوث، وتم سبي مملكة إسرائيل بواسطة آشور. وسبي مملكة يهوذا بواسطة بابل، وبعد السبي الأول وقع اليهود تحت حكم خمسة دول وأثناء حكمها جاء الفتح الإسلامي.
وفي خاتمة الدعوة الإلهية إلى بني إسرائيل. بعث الله إليهم المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وعلى امتداد دعوته قامت الفرق اليهودية التي وقعت في فتنة الميراث وملحقاتها بالصد عن سبيل الله .
وصدع المسيح عليه السلام بالحق فبين لهم ما اختلفوا فيه وبشرهم بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.
وهو يخبرهم بأن ملكوت الله سينزع من أيديهم ويسلم إلى شعب آخر، وتكاتفت المجامع اليهودية من أجل القضاء على المسيح ودعوته، ولكن الله كف أيديهم عنه ورفعه إليه .
وبعد رفع المسيح اضطهد اليهود تلاميذه وكان قد أخبرهم بهذا الاضطهاد والقتل .
وفي هذه الآونة ظهر بولس على الساحة. وكان من أشد أعداء الدعوة، وبولس ينتمي إلى طائفة الفريسيين وهي طائفة متطرفة حذر المسيح تلاميذه من تعاليمها، وعندما بدأ بولس يمارس الدعوة باسم المسيح " حاول أن ينضم إلى التلاميذ فخافوا منه. إذ لم يصدقوا أنه صار تلميذ " (1) .
وبدأ بولس مهمته التي غير فيها دين المسيح، وصارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعة منسوبة إليه.
المسيرة الإسرائيلية:
دمر هيكل سليمان في عهد نبوخذ ناصر (586 ق. م)ثم دمر الهيكل الذي أعاده عزرا ونحميا (135 ق. م)
وبعد أن أعيد بناؤه تم تدميره بواسطة الإمبراطور تيطس (70 م)
وقام الإمبراطور هادريان بطرد اليهود من أورشاليم (135 م)
وألغى الإمبراطور ثيودوسيوس الحاخامية اليهودية (435 م).
وأصبح الطريق مفتوحا أمام الدعوة الخاتمة على نبيها وآله الصلاة وأذكى السلام.
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (2).
وبعد رفع المسيح عليه السلام. لم يعرف إلا النزر اليسير عن تلاميذه، وكان عليه السلام قد أخبرهم بأنهم سيضطهدون ويقتلون، وفي هذه الآونة ظهر بولس على الساحة، وكان من أشد الناس على الدعوة، وكان يعمل بكل ما في وسعه لاعتقال المؤمنين بها، وبولس ينتمي إلى طائفة الفريسيين.
وهي طائفة تقوم ثقافتها على التفسير الشفهي للناموس (التلمود). وقد حذر المسيح عليه السلام تلاميذه من تعاليم هذه الطائفة، ودخل بولس إلى النصرانية بحجة أنه رأى المسيح على طريق دمشق .
وأن المسيح عينه تلميذا له، وعندما ذهب بولس إلى أورشاليم اتجه نحو التلاميذ لينال منهم شرعية الدعوة أمام الجموع، وجاء في سفر أعمال الرسل " أنه حاول أن ينضم إلى التلاميذ.
فخافوا منه. إذ لم يصدقوا أنه صار تلميذ " (3)، ولكن بولس مارس الدعوة بما له من ذكاء.
وما له من جاه. عند شيوخ اليهود وملوك وحكام الأقاليم، وبدأ بولس في تنفيذ برنامجه. فألغى الشريعة داخل الحي النصراني. وشكك في أحقية إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام في الميراث،
وعلى هذا الأصل صد عن سبيل النبي الخاتم وبشاراته في التوراة والإنجيل، ثم توجه بقافلته نحو الأمم، وهو ما لم يفعله المسيح عليه السلام، ودخول بولس بدعوته إلى ساحة الأمم يعطي:
كره لتعاليم المسيح أولا، وإنشاء قاعدة تكون في خدمة أهدافه القريبة وأهداف اليهود البعيدة ثانيا، والصد عن سبيل الدعوة الخاتمة ثالثا،
وذلك لأن المسيح لم يتقدم إلى الساحة الأممية لأن منهجه يخاطب بني إسرائيل، وكان المسيح يبشر في نفس الوقت بالنبي الأمي وأمته الأمية، وهذا يعطي أن الدعوة الخاتمة دعوة عامة. متوجهة إلى البشرية كافة .
وبولس بصفته كان متفوقا في الديانة اليهودية كما قال عن نفسه، كان يعلم أن الرسالة الخاتمة ستخاطب الأمم، لهذا تقدم نحو الأمم ليضع وقوده الذي يسير القافلة نحو أهداف محددة، ويكون عائقا أمام دعوة محددة.
وبعد جهد متواصل، أصبح بولس عنوانا للمسيحية، وصارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعه منسوبة إليه، ومما يذكر أن الشواهد الكتابية لهذه المسيرة هي أناجيل :
متي ، مرقص ، لوقا ، يوحنا ، أعمال الرسل ، الرؤيا.
وبالجملة : بعد سبي اليهود. حكم فلسطين خمسة دول هي :
فارس (538 - 333 ق. م)
اليونان (333 - 323 ق. م)
مصر (323 - 204 ق. م)
سوريا (204 - 167 ق. م)
فترة المكابين (167 - 63 ق. م)
روما (63 ق. م - 633 ميلادية). (4)
1- أعمال الرسل 9 / 26.
2- سورة الصف آية 8 - 9.
3- أعمال الرسل 9 / 26.
4- هي فترة استقل اليهود فيها من الناحية العملية.
/ج