قال أحمد بن حنبل : أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية ، ثم قال أحمد : كأنه نزع إلى رأي جهم . . . قلت : والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والاَسماء والرؤية والنزول لاَصابوا . والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر . والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من الاَحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لاَصابوا ، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها .
قلنا : وللكل موقف بين يدي الله تعالى ، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها ، فأين الاِنصاف . انتهى .
نقول : الاِنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لاَنها متشابه يحمل على المحكم ، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن ، مضافاً إلى أن بعضها كذبه الصحابة ، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم ، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة . فهذا هو الاِنصاف ! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الاَمور العلمية والعملية .(1)
اختلف العلماء في الحديث أعلاه لاَنه حديث من أحاديث الصفات ، قال الاِمام أبو بكر بن فورك : إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة . . وقول أهل السلف إنه حق ولا يتكلم في تأويلها .
ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم : علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد ، بينما هي ثابتة عند المتساهلين ، وعند الذين يميلون إلى ما تريده الدولة . كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روى في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لاِعادة تقييم روايات مسلم .
وغلبت موجة كعب ودخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوى من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار على خطه أن يحدثوا موجة من القول بالرؤية كما ستعرف ، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم ، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلى يومنا هذا ، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته ، بل تجرؤوا على رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم ، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها ! ! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله .(2)
واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى أم لا ، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف ، وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين ، وأجازه جماعة من السلف وأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الاَسراء بعيني رأسه ، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الاَحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل ، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة ، والمشهور عنهما الاَول ، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه ، وهو الاَصح ، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية . . . قلت : رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة جائزة بالاَدلة العقلية والنقلية . . . وأما استدلال عائشة رضي الله عنها على عدم الرؤية بقوله تعالى : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الاِدراك والاِبصار فرق ، فيكون معنى لا تدركه الاَبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره ، قاله سعيد بن المسيب وغيره . وقد نفى الاِدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالى : فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا ، أي لا يدركونكم . وأيضاً فإن الاَبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالى عنهم : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، ويكرم المؤمنين أو من شاء الله منهم بالرؤية كما قال تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية ، فلا حجة فيها والله أعلم . انتهى .
وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع ، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف ، ثم خلط الاِدراك بمعنى اللحوق بالاِدراك بمعنى الرؤية ، وجعل إمكان تخصيص الله تعالى لعموم آية تخصيصاً بالفعل ، ثم كابر في إنكار الظاهر . . ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له . . كل ذلك لاَنه يريد مذهب كعب الاَحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن ! (3)
. . . إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية : لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله ! قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الاَبصار بالنهاية والاِحاطة وأما الرؤية فبلى . وقال آخرون الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة ، ولكن الله يحدث لاَوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها ! (4)
ولكن دعوى الحاسة السادسة تعني التنازل عن أحاديث الرؤية التي تصرح بالرؤية بالعين البشرية المعهودة ، كما سيأتي .
وأيدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالى
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الاَسماء والصفات عن أبي رزين رضي الله عنه . . . قال : كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء . قال الترمذي رضي الله عنه : العماء أي ليس معه شيء . انتهى . ورواه في كنز العمال ج 1 ص 236 وفي ج 10 ص 370 وقال في مصادره ( حم وابن جرير ، طب وأبوالشيخ في العظمة . عن أبي رزين ) وقال في هامشه : العماء بالفتح والمد : السحاب . قال أبو عبيد : لا يدرى كيف كان ذلك العماء . وفي رواية كان في عما بالقصر ، ومعناه ليس معه شيء . النهاية 3 ـ 304 . (5)
ملاحظة : مقصود الراوي بالعماء الفضاء الخالي ، وبعض روايات الحديث نصت على ذلك ، فيكون الفضاء حسب تصوره إلَهاً مع الله تعالى ، أو قبله ! ويكون وجوده تعالى مادياً محتاجاً لاَن يكون في فضاء ! وقد كان الترمذي محتاطاً فابتعد عن مسؤولية تفسيره بأنه ليس معه أحد ، وجعل ذلك على عهدة يزيد وحماد بن سلمة !
ويؤيد ما ذكرنا ، أن كلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمكان الخراب في مقابل العمران ، شبيهاً بالاَرض البائرة والمزروعة ، فيقولون كانت هذه المنطقة عماء لا عمران فيها أو لا إنسان فيها . فيكون معنى أن الله تعالى كان في عماء أن الراوي تصور أن الكون كان فضاء وهواء وكان الله تعالى في ذلك الفضاء العماء ، ثم أعمره بالخلق .
وقد يقال في توجيه الحديث إنه تفسير لقوله تعالى ( وكان عرشه على الماء ) ولكن السؤال فيه عما قبل العرش وقبل كل الخلق ، أي عما هو قبل القبل ، فكيف يصح جعل العماء والهواء قديماً أو واجب الوجود قبل القبل !
وقد يقال إن المقصود بالخلق في السؤال الملائكة والناس . ولكن إطلاق السؤال عما قبل الخلق ، يأبى تخصيصه بذوي الاَرواح أو ببعض المخلوقات .
وكذلك لا يصح تفسير العماء بالعدم المطلق ، لاَن تعبير ( ما تحته هواء وما فوقه هواء ) يجعل تفسيره بالعدم المطلق ، تعامياً !
وهاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الاَدب
قال أبوبكر : هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب ، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها ، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة : قد أعظم ابن عباس الفرية وأبوذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم ! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها . . . الى آخر هجوم ابن خزيمة المجسم وغيره على أمهم عائشة. راجع الفصل الاَول من كتاب الوهابية والتوحيد .(6)
ثم رووا الرؤية بالعين حتى عن ابن عباس وعائشة
ـ مستدرك الحاكم /أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا محمد بن عبدالسلام ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثني أبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل هل رأى محمد ربه ؟ قال : نعم رأى كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ ! فقلت يا ابن عباس أليس يقول الله : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ؟ قال : يا لا أم لك ، ذلك نوره وهو نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه .
ـ وقال في هامش تهذيب التهذيب / في تهذيب الكمال عن عكرمة عن ابن عباس قال : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى ، فقلت لابن عباس : أليس الله يقول : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ؟ قال : أسكت لا أم لك ، إنما ذلك إذا تجلى بنوره لم يقم لنوره شيء
ـ مجمع الزوائد/وعن ابن عباس قال : إن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، قال عكرمة : يا ابن عباس أليس يقول الله : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ؟ فقال ابن عباس لا أم لك ، إنما ذلك إذا تجلى بكيفية لم يقم له بصر .
قلت : له حديث رواه الترمذي غير هذا رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك .
ـ مجمع الزوائد /. . وعن ابن عباس أنه كان يقول : إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده . رواه الطبراني في الاَوسط ورجاله رجال الصحيح ، خلا جهور بن منصور الكوفي ، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات .
ـ كتاب التوحيد لابن خزيمة /. عن عبدالله ابن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبدالله بن العباس يسأله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فأرسل إليه عبد الله بن العباس أن نعم ، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه ؟ قال فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد .
هذه هي الرواية التي شهرها ابن خزيمة سيفاً على مذهب أمه عائشة ، لاَنها خالفت فيه مذهب الخليفة عمر ، وهي رواية إسرائيلية مع الاَسف ! وقد علق عليها الشيخ محمد الهراس بقوله ( لعل ابن عباس أخذ رأيه هذا من كعب الاَحبار فقد كان كعب يقول إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد .)
ـ ثم قال ابن خزيمة /عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمداً بالرؤية . . . عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه . . . عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال : رأى محمد ربه . انتهى .(7)
ـ روى الذهبي في سيره ج 14 ص 45 عن عكرمة حديث ابن عباس ، وقال الناشر في هامشه : أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم الاَحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إن الله .. الخ . وأخرجه أيضاً ص 197 من طريق محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى قالا : حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . . . . وهذا رأي لا دليل عليه ، وهو مخالف للاَدلة الكثيرة الوفيرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في تلك الليلة . وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك . هذا ، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم ، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه ، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته ، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض ، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل . وكان عكرمة يروي الاِسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود .(8)
ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الاَنف ج 2 ص 156 عن كعب وليس عن ابن عباس . وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين ، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه ، فقد روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 225 ـ 230 . . . . عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال : اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم نزعم أو نقول : إن محمداً رأى ربه مرتين ، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ! فقال : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم ! انتهى .
ومن الواضح أن تكبير كعب الاَحبار ( حتى جاوبته الجبال ! ) يدل على أن إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وآله كان مطلباً مهماً عند كعب وأنه كان يبحث عمن يوافقه عليه ولا يجد، فلما وافقه ابن عباس كما تدعي الرواية صرخ بصوت عال من فرحه ، لاَن ذلك يوافق مصادره اليهودية في تجسيد الله تعالى وجلوسه على عرشه ونزوله إلى الاَرض ومصارعته ليعقوب .. إلى آخر افتراءات اليهود على الله تعالى !
واشتغل الوضاعون وكثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم تقدم عن عائشة وغيرها تكذيب أحاديث الرؤية عموماً ، وقد طفح كيل هذه الاَحاديث من كل لون ، لاَن الدول كانت تشجعه ، ولاَن الموضوع قابل للاَسطورة . . حتى اعترفت مصادر الجرح والتعديل عند إخواننا بوضع عدد كبير منها !
أبو أحمد بن عدي : حدثنا أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر ، قال قال ابن القاسم : سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا : إن الله خلق آدم على صورته . والحديث الذي جاء : إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد . فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد ! فقيل له : أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال : من هو ؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد . قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الاَشياء ، ولم يكن عالماً . وذكر أبا الزناد فقال : لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات . رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا : حدثنا ابن القاسم .
قلت : أنكر الاِمام ذلك لاَنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور ، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الاَول والثاني لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه ! (9)
وهذا النص يدل بوضوح على أن الاَمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم، وأن الاِمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتى مات . وأن أجواء هذه الاِعتقادات كانت محدودة بالدولة بخلاف الجو العام للمسلمين الذي
يعيش فيه الاِمام مالك . وقد بينا في كتاب الوهابية والتوحيد عدم صحة ما نسبه الوهابيون إلى الاِمام مالك من تفسير الصفات بالظاهر .
وقال الذهبي في سيره أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه : أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك ، أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي ، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال : من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه ، فهو زنديق كافر ، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .
قلت : لا يكفر إلا إن علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله ، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند ، نسأل الله الهدى ، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن ، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه ، فهو طريقة معروفة .
قال حفص بن عبدالله : سمعت إبراهيم بن طهمان يقول : والله الذي لا إلَه إلا هو لقد رأى محمد ربه .
وقال أبوحاتم : شيخان بخراسان مرجئان : أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان .
وقال أبو زرعة : كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال : لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ . وقال أحمد : كان مرجئاً شديداً على الجهمية .
وقال أحمد بن سلمة : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الاَمير عبدالله بن طاهر فسألني الاَمير عن أخبار النزول فسردتها ، فقال ابن أبي صالح : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ! فقلت : آمنت برب يفعل ما يشاء .(10)
المصادر :
1- قال الذهبي في سيره ج 10 ص 455
2- الاَحاديث القدسية من الصحاح ج 1 ص 147
3- الدميري في حياة الحيوان ج 2 ص 72
4- الطبري في تفسيره ج 7 ص 201 ـ 202
5- السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 322
6- كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 225 ـ 230
7- مستدرك الحاكم ج 2 ص 316/ هامش تهذيب التهذيب ج 4 ص 113/ مجمع الزوائد ج 7 ص 114/ مجمع الزوائد ج 1 ص 78/ كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 198/ ابن خزيمة في ص 199
8- الذهبي في سيره ج 14 ص 45
9- الذهبي في سيره ج 8 ص 103
10- الذهبي في سيره ج 14 ص 396/ الذهبي في سيره ج 7 ص 381/ الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 2 ص 435
/ج